العلاقات الثنائية بين الإمارات وسنغافورة:
تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة وسنغافورة بعلاقة طويلة الأمد ومتعددة الأوجه، مبنية على التعاون الاقتصادي، والشراكة الاستراتيجية، والمصالح المشتركة في تعزيز تدفقات التجارة العالمية والتنمية المستدامة، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين رسمياً في عام 1985، والتي انتقلت من قوة إلى قوة منذ ذلك الحين، حيث عزز البلدان الروابط بينهما في مختلف القطاعات.
تعكس اللقاءات رفيعة المستوى بين حكومتي البلدين عمق العلاقات الثنائية، حيث يلتقي القادة وكبار المسئولين بصورة منتظمة لتعزيز التعاون في القضايا ذات الأولوية والاهتمام المشترك، إضافة إلى الزيارات الرسمية بين البلدين، فهناك تفاعلات مستمرة بين الجانبين في المنتديات متعددة الأطراف مثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة الآسيان.
يُعد منتدى أبوظبي-سنغافورة المشترك، الذي بدأ في مارس 2008، منصة سنوية هامة تبرز مدى قوة وعمق العلاقات الاقتصادية الثنائية بين الإمارات وسنغافورة، حيث يُسهم المنتدى في تطوير شراكات مهمة بين الجهات الحكومية والخاصة في البلدين عبر مجموعة من القطاعات.
كذلك فإن اللجنة المشتركة بين سنغافورة والإمارات تعد من بين المنصات الأخرى الهامة بين سنغافورة والإمارات، التي تُعقد كل عامين برئاسة وزيري خارجية البلدين، وفي الاجتماع الافتتاحي للجنة المشتركة في أكتوبر 2014، تم توقيع مذكرة تفاهم لإجراء مشاورات ثنائية بين وزارتي الخارجية في الإمارات وسنغافورة، ما يُتيح تبادل الآراء بانتظام بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقعت حكومتا البلدين في فبراير 2019، اتفاقية الشراكة الشاملة بين سنغافورة والإمارات، وهي إطار يهدف إلى تعميق مجالات التعاون القائمة واستكشاف مجالات جديدة ذات منفعة متبادلة، تُعد هذه الاتفاقية الأولى من نوعها بين سنغافورة وأي دولة في منطقة الشرق الأوسط، والتي تهدف لتعزيز التعاون في مجالات متنوعة تشمل التجارة والاستثمار والدفاع والأمن والتنمية المستدامة، مع فتح المجال لمزيد من فرص التعاون الجديدة.
العلاقات الاقتصادية: التجارة والاستثمار
تتمتع العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وسنغافورة بأسس راسخة، مدعومةً بتدفقات تجارية واستثمارية مستدامة، وتُعد الإمارات الشريك التجاري الأكبر لسنغافورة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما كانت في المرتبة الرابعة عشر بين الشركاء التجاريين لسنغافورة عالميًا في عام 2023.
بلغ حجم التجارة الثنائية في السلع بين الإمارات وسنغافورة 24.1 مليار دولار سنغافوري في عام 2024، مرتفعًا من 23.7 مليار دولار سنغافوري في عام 2023، حيث تُشكل التجارة غير النفطية أكثر من ثلث حجم التبادل التجاري الثنائي، كما بلغت قيمة استثمارات سنغافورة في الإمارات 3.9 مليار دولار سنغافوري في عام 2022، مرتفعة من 2.7 مليار دولار سنغافوري في عام 2021، وتتركز هذه الاستثمارات في قطاعات النفط والغاز، وتكنولوجيا المعلومات، والبنية التحتية، والعقارات.
هناك وجود بارز للشركات السنغافورية في الإمارات والتي يزيد عددها عن ٦٠٠ شركة، تعمل في مختلف القطاعات، مثل التكنولوجيا المالية، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، والتعليم وذلك وفقا لتقارير مؤسسة "إنتربرايز سنغافورة".
وعلى الجانب الآخر، فإن الإمارات تعد مستثمراً رئيسياً في السوق السنغافوري، وتسهم شركات وطنية كبرى مثل موانئ دبي العالمية (DP World) ومصدر وSpace42 في دعم التعاون الاقتصادي بين البلدين عبر مجالات مثل الطاقة المتجددة، والإلكترونيات، والخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا المتقدمة، والتي تُسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
العلاقات الاقتصادية: الاستدامة
تسعى كل من الإمارات وسنغافورة إلى تعزيز الشراكة بينهما في مجال الطاقة المتجددة وأسواق الكربون، وخلال الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونج إلى الإمارات في أكتوبر 2023، وقع البلدان اتفاقية إطار الاقتصاد الأخضر، التي تهدف إلى التعاون في مشاريع تشمل النقل الأخضر، والطاقة منخفضة الكربون، وأسواق الكربون.
واتفق الجانبان أيضاً على تعميق تعاونهما في حماية البيئة ومواجهة التغير المناخي، من خلال التعاون في مجالات الأمن الغذائي والمائي، كذلك فإن البلدان يعملان على وضع معايير مشتركة في مجالات وقود الهيدروجين، واحتجاز الكربون وتخزينه.
العلاقات الاقتصادية: الخدمات المالية
يُعد التعاون المالي ركيزة أساسية في العلاقات بين الإمارات وسنغافورة، ولاسيما أن كلا منهما مركز مالي رائد في إقليمه، لذلك فهما يتعاونان بشكل واسع في القطاع المصرفي، والتكنولوجيا المالية، وأسواق رأس المال.
وفي عام 2009، وقع مصرف الإمارات المركزي وسلطة النقد في سنغافورة مذكرة تفاهم لتعزيز تبادل المعلومات والإشراف على العمليات المالية العابرة للحدود، كما يوجد لبنوك إماراتية مثل بنك أبوظبي الأول، والإمارات دبي الوطني حضور في سنغافورة، حيث تدعم الشركات الإماراتية العاملة في آسيا، والتي كان لها أثر إيجابي كبير في المساهمة في تسهيل التدفقات التجارية والاستثمارية بين منطقة الخليج العربي والآسيان.
العلاقات الاقتصادية: التكنولوجيا المتقدمة
تحرص كل من الإمارات وسنغافورة على تعزيز وتعميق التعاون المشترك في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والاقتصاد الرقمي. وخلال الزيارة الرسمية لسمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، إلى سنغافورة في أكتوبر 2024، تم توقيع مذكرة تفاهم بين "AI Singapore"، ودائرة التمكين الحكومي في أبوظبي، ومجلس أبحاث التكنولوجيا المتقدمة “Advanced Technology Research Council”، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز تطوير القدرات في الذكاء الاصطناعي، وتنفيذ برامج تدريبية في كل من أبوظبي وسنغافورة، ما يدعم توسع الشركات ويدفع عجلة الابتكار في القطاعات الناشئة، مما يعزز مكانة البلدين كمحاور إقليمية في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
العلاقات الاقتصادية: الأمن
يرتكز التعاون الأمني بين الإمارات وسنغافورة على تبادل المعلومات وتعزيز الأمن المشترك، ويعمل البلدان معاً على مكافحة التهديدات العابرة للحدود، مثل الجرائم الإلكترونية والأنشطة المالية غير المشروعة، حيث يسهم هذا التعاون في الجهود العالمية لحماية البنية التحتية الحيوية وتعزيز أمن الشبكات المالية والرقمية.
العلاقات الاقتصادية: الروابط بين الشعوب
بجانب التعاون الحكومي والتجاري القائم بين البلدين، فإن العلاقات بين شعبي الإمارات وسنغافورة في تطور مستمر، فإن الإمارات تستضيف أكبر جالية سنغافورية في منطقة الشرق الأوسط، حيث يقيم ويعمل فيها نحو ٣ آلاف سنغافوري، ولتعزيز وتعميق الروابط بين شعبي البلدين، فقد أطلق البلدان برامج للتبادل التعليمي والمبادرات الثقافية لتعزيز التفاهم والتفاعل بين مجتمعيهما.
تحرص الإمارات وسنغافورة على المحافظة على اتصال جوي قوي من خلال رحلات مباشرة متكررة، حيث تُشغل شركة طيران الإمارات 28 رحلة أسبوعياً بين دبي وسنغافورة، بينما تشغل الاتحاد للطيران رحلات يومية مباشرة بين أبوظبي وسنغافورة، إضافة إلى تشغيل الخطوط الجوية السنغافورية رحلة يومية بين سنغافورة ودبي.
ومما لا شك فيه فإن التزام وحرص البلدين على المحافظة على استمرار النمو الاقتصادي، والتقدم التكنولوجي، والتنمية المستدامة، يساهم في نجاح الإمارات وسنغافورة في تعزيز أسس تعاونهما، ويبشر بمستقبل واعد للعلاقات بين البلدين ويمهد الطريق للمزيد من الشراكات الاستراتيجية في المستقبل.